من الخطب زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب
وإليك ما وجدناه من خطبه محفوظاً في الجوامع ليكون مثالا ًلتلك الدعوى التي لم تقع محل التشكيك.1. حدّث أبو الجارود قال:
خطب #زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب. رضوان الله عليه
بأصحابه حين الخروج فقال: » الحمدلله الذي منّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوباً عاقلة وأسماعاً واعية، قد أفلح مَن جعل الخير شعاره والحقّ دِثاره، وصلّى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربّه وصدّق به الصادق محمد؛ الطاهرين من عترته وأُسرته، والمنتجبين من أهل بيته.
أيّها الناس، العَجَل العَجَل قبل حُلول الاجل، وانقطاع الأمل، فوراً.. كم طالب لا يفوته هارب إلاّ هرب منه إليه، ففِرّوا إلىالله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصّركم ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجّة على مَن بعدكم، إن الله يقول: ليتفقّهوا في الدِّينِ وليُنذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يَحذرون . ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات أولئك لهم عذاب عظيم. عِبادَ الله، إنّا ندعوكم إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّالله ولا نُشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مِن دون الله سبحانه وتعالى، إنّ الله دمّر قوماً اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.عباد الله، كأنّ الدنيا إذا انقطعت وتقضّت لم تكن، وكأنّ ما هو كائن قد نزل، وكأن ما هو زائل قد رحل، فسارعوا في الخيرات واكتسبوا المعروف تكونوا مِن الله بسبيل، فإنّ من سارع في الشر واكتسب المنكر ليس من الله في شيء.أنا اليوم أتكلّم وتسمعون ولا تنصرون، وغداً بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردّني إليه، فهو الحاكم بينا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا وأناب إلى سبيلنا وجاهد بنفسه نفسه ومَن يليه من أهل الباطل لادّعائهم الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء؛ وهو يحكم بيننا وبينهم. إذا لقيتم قوماً فادعوهم إلى أمركم؛ فإن يُستجبْ لكم برجلٍ واحد خيرٌ مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة؛ وعليكم بسيرة أمير المؤمنين عليه السّلام بالبصرة؛ لا تتبعوا مُدبراً؛ ولا تُجهزوا على جريح؛ ولا تفتحوا باباً مغلقاً، والله على ما نقول وكيل. عبادَ الله، لا تقاتلوا عدوكم على الشكّ فتضلّوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثمّ القتال؛ فإنّ الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حقّ؛ إنّه مَن قتل نفساً يشكّ في ضلالتها كمن قتل نفساً بغير حق. عباد الله البصيرة ثمّ البصيرة.
قالأب و الجارود: قلت له: يا بن رسول الله، الرجل يبذل نفسه على غير بصيرة؛ قال: نعم، أكثر مَن ترى عشقت قلوبهم الدنيا والطمع أرداهم إلا القليل، والذين لا يحضرون الدنيا على قلوبهم ولا لها يسعون أولئك مني وأنا منهم.2. وحدّثعمر بن صالح العجليأنه سمع زيد بن علي يخطب أصحابه ويقول: » الحمد لله مُذعناً له بالاستكانة، مقرّاً له بالوحدانية؛ وأتوكّل عليه توكّل من لجأ غليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّمحمداعبده المصطفى ورسوله المرتضى الأمين على وحيه؛ المأمونعلى خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه؛ حتّى قبضه.أيّها الناس، أُوصيكم بتقوى الله، فإنّ الموصي بتقوى الله لميدّخر نصيحة ولم يقصر عن إبلاغ عِظة؛ فاتّقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلا إلى الله تعالى إن أطعتموه؛ ولا ينقص من ملكه شيء إن عصيتموه؛ ولا تستيعينوا بنعمته على معصيته؛ وأجملوا في طلب مباغي أموركم، وتفكّروا وانظروا
]41[.3. وحدّثفرات بن إبراهيم الكوفيفي تفسيره أنّ زيد بن علي عليه السّلام خطب الناس فقال: أيّها الناس، إنّ الله بعث في كلّ زمان خيرة، ومن كلّ خيرة منتجباً حبوةً منه؛ فإنّالله أعلم حيث يجعل رسالته؛ ولم يزل الله يتناسخ خيرته حتّى أخرجمحمدامن أفضل بريّته وأطهر عترة أُخرجت للناس. فاتّقوا الله عبادَ الله وأجيبوا إلى الحق، وكونوا أعواناً لمن دعاكم إليه ولا تأخذوا سُنّةبني إسرائيليكذّبون أنبياءهم وقتلوا أهل بيت نبيهم. ثمّ أنا أذكّركم أيها السامعون لدعوتنا، المتفهمون لمقالتنا، بالله العظيم الذي لم يُذكّر المذكِّرون بمثله؛ إذا ذكروه وَجِلت قلوبُهم؛ واقشعّرت جُلودُهم. ألستم تعلمون أنّا أهل بيت نبيّكم المظلومون المقهورون؛ فلا سهم وُفِّينا؛ ولا تراث أُعطينا؛ ينشأ ناشئُنا بالقهر؛ ويموت ميّتنا بالذلّ.وَيْحكم، إنّ الله فرض عليكم جهاد أهل البَغي والعدوان؛ وفرضنُصرة أوليائه الداعين إليه وإلى كتابه؛ قال الله: ولينصرَنّ اللهُ مَن ينصرُه وإنّا قوم غضِبنا لله ربِّنا، ونقمنا الجور المعمول به في أهل ملّتنا، ووضعنا كلّ من توارث الخلافة؛ وحكم بالأهواء ونقض العهد؛ وصلّى الصلاة لغير وقتها، وأزال الأفياء والأخماس والغنائم؛ ومنعها الفقراء والمساكين وأبناء السبيل؛ وعطّل الحدود؛ وأخذ بها الجزيل من المال، وحكم بالرشا والشفاعات والمنازل، وقرّب الفاسقين، ومثّل بالصالحين، واستعمل الخونة؛ وخوّن أهل الامانات، وسلّط المجوس، وجهّز الجيوش، وقتل الوالدان، وأمر بالمنكر ونهى عن المعروف، ويحكم بخلاف حكم الله، ويصدّ عن سبيل الله،وينتهك المحارم، فمن أشرّ عند الله منزلة ممّن افترى على الله كذباً، أو صدّ عن سبيله وبغى في الأرض ؟! ومَن أعظم عند الله منزلةً ممّن أطاعه، ودان بأمره وجاهد في سبيله ؟! ومَن أحسن قولاً ممّن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ؟! أولئك يدخلون الجنة، فمن سألَنا عن دعوتنا هذه فإنّا ندعو إلى الله وإلى كتابه وايثاره على ما سواه، وأن نصلّي الصلاة لوقتها، ونأخذ الزكاة لوجهها، وندفعها إلى أهلها، وننسك المناسك بهديها، ونضع الفيء والأخماس في مواضعها، ونجاهد المشركين بعد أن ندعوهم إلى الحنيفية، وأن نجبر الكسير، ونفكّ الأسير، ونرِدُ علىالفقير، ونضع النخوة والتجبّر والعدوان والكبر؛ وأن نرفق بالمعاهدين ولا نكلّفهم ما لا يطيقون. اللهمّ هذا ما ندعو إليه، ونعين ونستعين عليه، وإنا نُشهدك عليه أكبر الشاهدين، ونُشهد عليه جميع مَن أسكنته أرضك وسماواتك.اللهمّ ومن أجاب إلى ذلك مِن مسلمٍ فأعظِم أجره وأحسن ذِكره، ومِن عاجلِ السوء وآجله فاحفَظْه وكُن له وليّاً وهادياً وناصراً. ونسألك اللهمّ من أعوانك وأنصارك على أحياء خلقك، عصابة تحبّهم ويحبونك ويجاهدون في سبيلك لا تأخذهم فيك لومة لائم. اللهمّ وأنا أوّل من أناب وأوّل من أجاب، فلبيّك يا ربّ وسعديك، فواجبوا إلى الحقّ وأجيبوا إليه أهلَه وكونوا أعواناً، فإنّما ندعوكم إلى كتاب الله وسُنّة نبيّه
]42[.الحِكم والآداب
وقف التاريخ على نُبذة يسيرة من حكمه ومواعظه التي تجري مجرى الامثال وتُعدّ من جوامع الكلم. فأوحاها الينا لنستفيد منها دروساً ضافية في الاخلاق وتهذيب النفوس وتطهير القلوب، فمن ذلك قوله: من لم يستحي فهو كافر.]43[وسُئل: الصمت خير أم الكلام، فقال: قبح المساكتة ما أفسدها للبيان، وأجلبها للعي والحصر. والله للمماراة أسرع في هدم الفتى من النار في يبس العرفج، ومن السيل إلى الحدور.]44[وكان إذا كلّمه انسان وخاف أن يهجم على أمر يخاف منه مأئماً، يقول له: يا عبد الله أمسِك أمسِك، كُفّ كفّ، إليك إليك، عليك بالنظر لنفسك، يكفّ عنه ولا يكلّمه.]45[وقال يوماً للزهري وقد قارف ذنباً فاستوحش منه وهرب على وجهه: قُنوطُك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أشدّعليك من ذنبك.]46[وقال: المروّة إنصاف مَن دونك، والسمع إلى مَن فوقك، والرضا بما أُوتي إليك من خيرٍ أو شرّ. وقال لابنه يحيى: إنّ الله لم يرضَك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فلم يوصني بك. يا بني خير الآباء مَن لا تدعه المودة إلى الافراط، وخير الأبناء من لم يدعه التقصير إلى العقوق.]47[وكان يقول: لقد خلوت بالقرآن اقرأه، فما وجدت في طلب الرزق رخصة، وجدت » ابتغوا من فضل الله « إلاّ العبادة والفقه.]48[وعزّاه بعض إخوانه في ولدٍ لهتُوفّي، فكتب في الجواب: أمّا بعد، فإنّا أموات آباء أمواتأبناء أموات، عجباً من ميّت يعزّي ميتاً عن ميّت، والسلام. وقال في وصيّته لابنه يحيى عند وفاته: يا بُني جاهد الكفار فإنّك لعلى الحقّ وإنّهم لعلى الباطل، وإنّ قتلاك لفي الجنّة وقتلاهم لفي النار.
منقول :
عادل الكردسي
اليمن
تعليقات
إرسال تعليق